الخمر بين التحريم والنهي والاجتناب

الخمر بين التحريم والنهي والاجتناب…

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ@ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ”

ملاحظة: لقد تم نشر هذه المقدمة سابقاً ووعدت ان اكمل البحث لاحقاً. ونأسف على تأخير ذلك لانشغالاتي الدنوية. ونظراً لطول البحث واهميته فقد تم تقسيمه الى عدة اجزاء وسوف يكون الجزء الاول ذات المقدمة المنشورة سابقاً لتهيئة فهم البحث بصورة افضل لعل الكثير لم يقرأ هذه المقدمة.

الجزء الاول

مقدمة

اكيد ان موضوع تحريم الخمر يعتبر من المواضيع المتفق عليها بين مذاهب المسلمين على مدى قرون على مستوى الساحة الشرعية الفقهية ولكن نرى حديثاً على مستوى الساحة الفكرية الحرة اصبح حكم تحريم الخمر موضع نقاش واختلاف فقد برزت فكرة مخالفة تماماً لما هو شائع بين المسلمين منذ قرون وهي عدم تحريم الخمر بصورة مطلقة وان الخمر ليس من المحرمات بل من المنهيات وحتى هذه الفكرة الحديثة تشوبها الضبابية وغير حاسمة وذلك بأنها تقول بعدم تناول الخمر ما بعد مرحلة السكر ويا ترى فكيف نقرر هذه المرحلة ومن يقوم بوضع حدود هذه المرحلة السُكْريّة، والجميع يعلم من تناول كأس من الخمر سوف يصبح كأسين وبعدها يصبح عدة كؤوس وثم يصبح قنينة وبعدها قنينتين وقناني وبعدها يصبح برميل الى ان ينتهي الامر به ان يتسكع في الشوارع مدمناً ويفقد كل شيء، فصدقا انه رأي خطير وملغوم مقصود او غير مقصود والله اعلم. والخطورة تكمن في ان هذا الرأي في انه اخذ بالانتشار والتبلور بين جموع المسلمين وخصوصاً الشباب الذين يتبنون الفكر الحداثوي متبعين هذه الاراء العصرية بخصوص المحرمات وكأنها احكام شرعية تبيح هذا او ذاك. انا هنا لست بصدد الحكم بالسلب على اصحاب هذا الرأي الذي يبيح قليل من الخمر وفق فهم معين للنص المعني ولكن اود ان اذكّر الاخوة الذين تقبلوا هذا الرأي برحابة صدر واخذوا يتناولون قليل من الخمر انطلاقاً من هذا الرأي الحديث واذكرهم بأن لا يتسرعوا في تناول قليل من الخمر بمجرد ان يقول به احد المفكرين العصريين وهذا ليس كافٍ لكي نقدم على تناول مادة خطرة وان مخاطرها وتداعياتها معلومة للجميع وواضحة لكل ذي علم وعقل سليم. وكذلك هناك غيره من المفكرين المعاصرين يشاركه بذات الرأي ولكن يبقى صيت وتأثير اراء الدكتور شحرور له صدى اقوى من غيره واصبحت افكاره تتبلور وتأخذ طريقها في عقول الالاف من المسلمين الطيبين الذين يبحثون عن فهم عصري محترم يتناغم مع تحديات العصر الحديث وهنا تكمن خطورة تبني الفكر الحديث حيث تمثل نقطة البحث هذه كمنعطف فكري لسالكيه وقد يختلط عليهم الامر فيصبح الرأي الحديث لنص قراني معين حكم مقدس لا يأتيه الباطل وبهذا يعود الفرد الى ذات الواحة التي هرب منها وهي واحة الدين الموروث الذي يأخذ ما جاء فيه مقدس ونهائي. فالملاحظ اليوم عند من يعتقد انه من اتباع الفكر الحداثوي واهمهم فكر الدكتور شحرور نلاحظ امتعاضهم وغضبهم تجاه كل من يطرح رأي مخالف لما يطرحه الدكتور شحرور وهذا هو ذات الاسلوب الذي يعيبونه على اتباع التراث. والجدير بالذكر هناك من المفكرين الحداثويين يخالفون الدكتور شحرور في عدم حرمة الخمر واهمهم المفكر المهندس عدنان الرفاعي الذي يؤكد على حرمة الخمر بل يقول ان مفهوم النهي او الاجتناب هو اقوى من مفهوم التحريم، وسوف اناقش هذا التوجه في هذا البحث انشاء الله.

 المهم هنا ان لا نسلّم لكل ما قاله هذا المفكر او ذاك ولكن  ينبغي ان نجتهد بأنفسنا لنبحث في مصداقية هذه الافكار من منظور علمي قراني واذا تبين لنا وفق سقفنا المعرفي بصحة هذا الرأي او ذاك وان يكون بحثنا هذا بنية صادقة غير مصلحية فقط من اجل الوصول الى ما هو صالح لنا ولعائلتنا الانسانية جمعاء، حينئذٍ سوف يكون موقفنا في يوم الحساب اهون مما ان لا نبذل جهداً في التحقق من الاراء التي لها ابعاد مصيرية خطيرة وتداعيات على سلامتنا وسلامة المجتمع واهمها مسألة تناول قليل من الخمر. وانا بدوري ممن يكن كل الاحترام والتقدير لجهود جميع المفكرين العصريين ومنهم الدكتور شحرور، في اعطاء قراءة عصرية للتنزيل الحكيم كنت اتمنى من حضرته ان يتأنى في البت في هذه المسألة وان يبذل جهداً خاصاً واعظم لكي ينظر لها من جميع الجوانب كما فعل مع مسألة الجن التي صرح انه لا يمتلك القدرة الفكرية الكافية في الوقت الحاضر لفهمها بصورة وافية، وهذا موقف رائع منه لانه يعكس رصانة فكره وعدم الثرثرة في طرح الافكار ومن وجهة نظري اني ارى ان مسألة الخمر لها اهمية اعظم من مسألة الجن من حيث اثارها وتداعياتها على حركة المجتمع وسلامته وسلوك ومستقبل الفرد. فلو عكس الدكتور شحرور أولوياته البحثية وترك مسألة تحريم الخمر كما هي عليه وفق ما جاء في التراث فهو افضل للمجتمع بل فيه فوائد على سلامته. من وجهة نظري ان رأي الدكتور في جواز تناول قليل من الخمر ونهيه عن رجسه انه رأي غير مقنع ابداً بل لا يرتقي لكي يكون علمي دلالي لساني ليس لجهل الدكتور شحرور بهذا المنهج العلمي لا ابداً ولكن انني ارى ان سماحته لم يعطي الموضوع حقه واستعجل في البت فيه وانا متيقن ان لو قام الدكتور شحرور في اعادة النظر فيه بتأني واكثر شمولية سوف يأخذ منحى اخر يختلف بعض الشيء من ناحية عدم جواز تناوله برمته، كما قام باعادة النظر في موضوع الارث وهذا اسلوب ليس فيه عيب بل يعكس صدقه ورصانة فكره. اقول هذا بعد ما قمت بنفسي من التحقق من مصداقية هذا الرأي واقولها بصدق وبتجرد انني كدت اميل اليه ولكن بعد التحقق والبحث فيه فوجدت ان هذا الرأي لم يصمد امام النصوص القرانية والمفاهيم ذو علاقة والتي بني عليها هذا الرأي-وجوهر هذا الرأي هو انه يقول بعدم تحريم تناول الخمر بصورة مطلقة ولكن المنهي عنه هو رجسه فقط اي المقدار الذي يؤدي الى حالة السكر (إذهاب العقل)!!!

الخمر بين التحريم والنهي والاجتناب…

الجزء الثاني

البحث

سوف يكون البحث حول الآيات الثلاث من سورتي البقرة والمائدة:

١-يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا…. ﴿البقرة: ٢١٩﴾

٢-يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿المائدة: ٩٠﴾

3. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴿المائدة: ٩١﴾

في هذا البحث الموجز سوف احاول تفكيك النصوص القرانية ذو علاقة وان محاولتي هذه هي ليست موجهة ضد اي احد وليس الهدف تسفيه رأي السلف او الدفاع عنه دون علم ودراية او تسفيه الرأي الحديث او الدفاع عنه ولكن الهدف هو البحث عن الحقيقة لا اكثر ولا اقل ولا ينبغي ان نقف عند اي رأي او نتحيز له اياً من كان وان تقديس الاشخاص اصبح في خبر كان وليس هناك خطوط حمراء يتمثل برأي فقيه ولا عالم ولا اية الله ولا مفكر حداثوي ولا هم يحزنون بل كل ما ورد او قول صدر منهم يخضع للعقل ومعياره التنزيل الحكيم وجهاً لوجه يحاكي كل منهما الاخر ويناجي احدهم  الاخر فعلينا التحقق من اراء الاخرين ولا ضير في ان نتبنى بعضها اذا استحسنها العقل انطلاقاً من القران. 

 ففي اطار موضوع الخمر سوف نحاول محاكات وتفكيك هذه النصوص بصورة مجردة بعيداً عن تأثير أراء السلف المحترمين وكذلك بعيداً عن اراء بعض المفكرين العصريين التي تبيح تناول الخمر بكمية قليلة والتي لا توصل الى حالة السكر وتدعوا الى اجتناب رجز الخمر .

وبالاضافة الى ذلك سوف اقوم بتفحص السياقات الاخرى القرانية ذو علاقة ونحاول بالخروج الى معنى يتناغم اكثر مع جوهر رسالة القران بلحاظ سلامة الفرد والمجتمع، وتداعيات تناول الخمر قليله او كثيره. واهم نقطة في هذا البحث هو فهم العلاقة بين مفهوم التحريم والنهي والاجتناب والفرق بين كل منهما من منظور دلالي لساني قراني فاذا اتفق مع رأي السلف فليكن واذا اختلف مع رأي الخلف من المعاصرين فليكن كذلك ولا يهمني كائن من كان نحن لا نقدس اشخاص ولا نسمح لانفسنا ان ندافع عن اراء حديثة بمجرد انها مخالفة لاراء التراث فلنذهب اين ما يأخذنا تيار الفكر ضمن حركة مياه بحر القران الكريم وسوف نحاول ان نرسوا الى حيث ما يأخذنا هذا التيار المقدس بصدق وحيادية.

فلنأخذ النص الرئيسي الاول المذكور اعلاه:

“يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا…..” ﴿البقرة: ٢١٩﴾

عناصر سياق النص المحورية:

١- الخمر     ٢-الميسر

صفات هذه العناصر وآثارها في ارض الواقع:

..إثم كبير     ..منافع 

تفاضل هذه الصفات في ارض الواقع:

إثمهما اكبر من نفعهما.

١-الخمر

في الغالب نرى المفهوم العام للخمر والشائع بين الناس هو يتعلق بمادة الكحول المعروفة بجميع صورها والتي غالباً يطلق عليها بالمشروبات الروحية. فأول ما يذكر احدهم مفردة الخمر فيتبادر الى الذهن مادة الكحول السائلة اولاً مثال الوسكي والبيرة وغيرها. اما في واقع الحال ومن منظور قرأني بحت فأن مفهوم الخمر لا يقتصر على المادة السائلة المذكورة آنفاً حصراً والملاحظ في الكثير من الكتابات والحوارات حول موضوع تحريم الخمر نلاحظ معنى الخمر لا يخرج عن معناه الشائع بين الناس وهو المشروبات الكحولية الروحية. اما عبارة الخمر في النصوص القرأنية فهي مصطلح اوسع يشمل انواع مختلفة من المخمرات العقلية اي المادة التي تَخْمر العقل (اداة التعقل) ونستدل على ذلك من خلال تحليل عبارة “الخمر” لسانياً. 

عبارة الخمر في اصل اللسان العربي: 

“(خَمَرَ) الْخَاءُ وَالْمِيمُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى التَّغْطِيَةِ، وَالْمُخَالَطَةِ فِي سَتْرٍ.”

نفهم من ذلك ان اي مادة تؤدي الى جعل ستار او غطاء على الشيء الذي يتفاعل معه في ارض الواقع. فاذا وضع احدنا قطعة قماش على الرأس او الوجه مثلاً فتسمى قطعة القماش هذه بالخمار ويتلاشى اسمها في الاصل (قطعة قماش) قبل استخدامها لهذا الغرض واذا تناول احدنا عن طريق فمه مثلاً سائل او دخان وادى ذلك الى تأثير على ملكة العقل والوعي فكأنما حدث غطاء او ستار على ملكة التعقل والوعي فتسمى هذه المادة بالخمر، هذا من الناحية الدلالية اللسانية.

اما سياقات مفهوم الخمر في التنزيل الحكيم فهي :

السياق الاول؛

“وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا… ﴿يوسف: ٣٦﴾

في هذا السياق نرى مادة الخمر تخرج مباشرة عند عملية العصير وهذه النتيجة (عصر الخمر مباشرة) لا يمكن لها ان تتحقق في عالم اليقظة  فالاية تتحدث عن عالم الرؤيا فالمسالة تختلف وتخضع للتأويل. 

“يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا.. ﴿يوسف: ٤١﴾

وهذا النص هو تأويل للنص الذي سبق فتقول الاية ان احدهم يسقي ربه خمرا اي ان المادة المعنية هي مادة خمرية تعمل على جعل خمار على العقل حين تعاطيها فسميت خمراً. والنص لا يتحدث عن مادة عصير فاكهة لم تصبح خمراً بعد وانما تتكلم عن مادة قد تحولت الى مادة مخمرة فوراً فسميت خمرا. 

السياق الثاني؛

“وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ..”

فهنا السياق يتكلم عن غطاء الرأس الذي هو كان زيّاً ثقافياً للمرأة العربية فطلبت الاية بتوظيف هذا الخمار لغرض اخر بجانب تغطية الرأس وهو تغطية الجيوب. على هامش موضوع الحجاب لا ان نقول هنا انه في هذه الاية لا يعني ان الله تعالى أمر بغطاء الرأس عندما طلب بتوظيف الخمار (غطاء الرأس) في غرض اخر وهو تغطية الجيوب وانما فقط اراد من المرأة التي اصلاً تغطي رأسها طوعاً كثقافة مجتمعية ان تغطي الجيوب كذلك. وسوف اكتفي بهذا القدر من مفهوم الخمار (الحجاب) فهو ليس موضوع البحث هنا.

مفهوم الخمر وانواعه:

الان نعود الى موضوعنا؛ نستنتج مما مضى ان الخمر هو اي مادة تؤدي الى جعل ستار او غطاء على ملكة العقل فاذا كانت في سياق الغذاء او الشراب فهذا يعني ان هذه المادة المعنية تؤدي الى خلق غطاء او ستار فوق العقل ومركز التعقل عند تناولها او اكلها او تعاطيها بغض النظر عن كمية تناولها لان صفتها هي الخمر اي الغطاء ابتدائاً قبل تناولها بمعنى ان اي مادة تحمل في كينونتها امكانية خلق غطاء او ستار عند تفاعلها مع شيء اخر فهي تسمى خمر فالكحول خمر والمخدرات بجميع انواعها خمر لان جميعها عند تعاطيها تخلق ستار على العقل فاتحد الاسم مع المسمى اي ان المادة قبل تعرضها الى تحول كيماوي لتتحول الى مادة مخدرة او مسكرة فهي لا تسمى خمر بل تسمى حسب مسمياتها قبل تحولها كيميائاً ولكن عند تحول المادة كيماوياً الى مادة اخرى فتكون صفتها التخدير اي الخمر فحينئذٍ يمكن ان نتجاوز اسم المادة الاصلي فيطلق عليها مصطلح الخمر نسبة الى صفتها المكتسبة الجديدة الرئيسية وهي خلق ستار  (خمار) على العقل عند تعاطيها فتكون هذه الصفة المكتسبة كيمائياً هي الاسم وهي الصفة في ذات الوقت فتسمى خمراً. 

الخمر بين التحريم والنهي والاجتناب…

الجزء الثالث

اين ذكرت المخدرات في التنزيل الحكيم؟

والجدير بالذكر انه لو فرضنا ان عبارة “الخمر” في التنزيل الحكيم تعني المشروبات الكحولية المسكرة او المخمرة للعقل حصراً فهذا ينذر الى طرح السؤال المهم التالي، “اين ذكرت المخدرات في التنزيل الحكيم؟! مع العلم ان خطر المخدرات على سلامة الفرد ومستقبل المجتمع يفوق بكثير خطر الخمر الكحولي (المشروبات الكحولية) والشواهد على ذلك لا تحصى ولا تعد ولا يختلف عليه اثنان. ولكن اذا رجعنا الى اصل اللسان العربي القراني ونظرنا في الدلالة اللسانية لعبارة “الخمر” بعيداً عن المؤثرات الثقافية لتطور اللغة واسقاطاتها على ارض الواقع لمقتضيات ثقافية وسياسية واقتصادية لاستطعنا ان نخرج بفهم عالمي مواكب لمتغيرات وتحديات العصر. وبناءاً على هذه الحقيقة وبالتحديد انطلاقاً من كون القران الرسالة الخاتمة وفيه تفصيل كل شيء يمكن ان اجزم واقول ان عبارة “الخمر” هو عنوان واسع وشامل يقع تحته كل ما هو مخمر او ما خامر العقل وهذا يشمل المشروبات الكحولية بانواعها والمواد المخدرة بجميع انواعها والتي تستخدم للترفيه واللهو وليس لغرض العلاج والاغراض الطبية. ونرى في الغرب مثلاً يسمون هكذا مواد ب “Intoxicant” أو “narcotics” وهي تشمل كل مادة تخامر العقل بغض النظر ما هو اسم المادة في الاصل اذا كان نبات او سائل او حتى دواء. فعصير الفواكه المعتق او ما يسمى بالنبيذ قبل ان يطرأ عليه تحول كيميائي ولا يتكون فيه مادة الكحول لا يطلق عليه خمراً بل يطلق عليه عصير او نبيذ كذلك فاذا كان الشعير فيسمى عصير الشعير والذي يشبه ما يسمى بالبيرة ولكن عرفاً البيرة هي عصير الشعير المخمر اي بعد تحوله كيمائياً الى عصير مع كحول فاصبحت مادة مخمّرة للعقل عند تفاعلها مع دم الفرد فهذا يسمى خمر. اذن ليس كل نبيذ او عصير فواكه معتق هو خمر فهناك في الاسواق نبيذ خالي من الكحول مئة بالمئة حيث يقوم الناس بتعتيق عصير العنب لفترة معينة قبل تكون الكحول كيميائياً وهي مسألة علمية معلومة فنرى اليوم في الاسواق نبيذ عصير العنب او التفاح ومسجل عليه لا يحتوي على كحول اطلاقاً فهذا ليس خمراً لانه انتفى عنه المادة التي تخلق ستار (خمار) فوق العقل. والجدير بالذكر هنا ان هناك من فقهاء السلف يبيحوا النبيذ وهذا لا بأس في ذلك وقد اشتبه على العوام ان المقصود بالنبيذ هو الخمر وهذا بعيداً عن الصواب؛ فالنبيذ ليس خمراً بالضرورة.

اذن اذا اطلق على مادة ما بالخمر فان كلها مخمرة للعقل فقليلها او كثيرها هو المحذور والمنهي عنه.

فيمكن ان نسمي الخمر عند الاستخدام الخارجي بأسمه الكيمياوي كالكحول او الكوكاين او المورفين ولكن بمجرد انه دخل جسم الانسان وتفاعل معه فلا بد ان يسمى خمراً حتى وان كان يعرف بالمخدر اي هناك فرق بين استخدام الخمر ومشتقاته خارج بدن الانسان اي خارج سياق الشراب وبين تناوله وشرابه الذي يدخل داخل جسم الانسان ليتفاعل مع جسمه كيماوياً ليؤثر سلباً على العضو او الملكة الوحيدة للتعقل والحكمة. ويمكن اللجوء الى ادوات العلم الحديث في التحقق من اي مادة وتصنيف طبيعتها ومدى تأثيرها على ملكة العقل فاذا قرر العلم والقانون بتصنيف اي مادة بانها تؤثر على العقل عند تعاطيها وان مدى تأثيرها هو نسبي يختلف من شخص الى اخر ولكن المهم انها تصنف من المخمرات او المخدرات فيمكن ان نطلق عليها “الخمر” ويجري عليها حكم الخمر وفق النص القراني ولا اقصد الاحكام التي يطرحها الفقهاء المحترمين فهذه ليست ملزمة للتنزيل الحكيم.

وبالاضافة الى ذلك عند تناول قليل من مادة الخمر لا يغير من تسميتها وصفتها المكتسبة فقليلها يسمى خمراً كما ان كثيرها يسمى خمراً وهذه الحقيقة لا يختلف عليها اثنان وهذا يعني عقلاً ان في الحالتين يؤدي الى تناول الخمر وهذا يتصادم مع صريح النص لانه كلّ الخمر رجس ويدعوا النص الى اجتنابه، وسوف يتم توضيح ذلك ادناه.

الخمر بين التحريم والنهي والاجتناب

صفات الخمر والميسر في الاية المعنية 

الجزء الرابع 

..اثم كبير

الملاحظة المهمة التي يجب ان نلتفت اليها هي ان النص يقول “فيهما اثم كبير” ولم يقل “انهما اثم كبير” وهذا تعبير دقيق لان الخمر  ومشتقاته (وفق المعنى الشامل المطروح آنفاً) ليس حرام بعينه او بذاته وانما شربه او تعاطيه لاسباب ترفيهية يؤدي الى اكتساب الاثم كما وضحت. ان الخمر ليس حرام بعينه المقصود هنا هو استخدام الخمر في مجالات حياتية منها مجال الطب وصناعة المواد الكيماوية المفيدة والعطور ومواد التجميل وليس شربه. وحتى اذا كان هناك ضرورة ملحة مصيرية طبية لتناوله فليس هناك محظور لا زال ليس هناك تعدي وبغي على الاخرين فلا إثم عليه، لان شربه في هذه الحالة هو ليس لهدف الشرب والارتواء من اللهو واللعب في ليالي السمر وغيرها وانما هنا يعتبر دواء لانقاذ النفس ويدخل في باب “ولا على المضطر حرج” او يمكن للمريض ان يتعاطى المواد المخدرة في بعض الاحيان لدرء الالم المزمن كما في العمليات الجراحية مثلاً فهذا اضطرار ولا ضير في ذلك ولا حرج.

الاثم مقابل المنفعة 

نرى ان القران الكريم قد وضع الاثم مقابل المنفعة كما في قوله:

“يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِما”

والنص واضح في ان هناك إثم كبير ومنافع للناس في الخمر والميسر اي ان هناك إثم كبير ومنافع في الخمر وكذلك هناك إثم كبير ومنافع في الميسر. وقد يفهم البعض من هذا النص ان هناك إثم نافع وإثم ضار واقول لذلك ليس كذلك لان المنفعة والاثم هنا متقابلان وتعلقا بالخمر والميسر وان الاثم والمنافع واقع فيهما اي الخمر والميسر . فان ورود الاثم مقابل المنفعة في النص دليل على انتفاء اي منفعة عن الاثم وهذا ما يقتضيه سياق التقابل اللساني فهذا يؤدي ان اذا انتفى جانب النفع عن صفة المادة فينتفي ضرورة اي جانب حقاني منه في هذه الصفة بالتحديد اي ان الجانب الإثمي ليس فيه صفة حق فليس هناك ما يوحي في هذه الاية بان هناك إثم بحق وإثم بغير حق في اعتقادي بخلاف ما قيل حديثاً

وبعبارة اخرى ان الخمر فيه اثم كبير وان شرب الخمر يؤدي الى اكتساب الاثم لذا قال “فيهما اثم”وليس الخمر بعينه اثم فاستعمال الخمر في مجال الطب لا يؤدي بالضرورة الى ارتكاب ذنب او سيئة ولا يكسب الفرد اثم اي ان استخدام الخمر ليس فيه اثم لانه ليس له علاقة بإسدال خمار على العقل ولكن شرب الخمر يؤدي الى اسدال خمار على العقل فيؤدي بصاحبه الى ارتكاب المعاصي فيكتسب الاثم.

اما الصفة الثانية فهي المنافع فهي معلومة للجميع وسوف لا اخوض فيهما لانهما ليسا موضع البحث.

الان نعود الى العنصر الثاني في الاية وهو: 

٢- الميسر 

ميسر في اصل اللسان العربي من (يَسَرَ) الْيَاءُ وَالسِّينُ وَالرَّاءُ: أَصْلَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى انْفِتَاحِ شَيْءٍ وَخِفَّتِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ.

والميسر على وزن مفعل ومثله قبض مقبض، وكبس مكبس، عمل معمل. وعلى هذا فمن منظور لساني بحت فأن الميسر هو كل فعل يجني ارباحا سريعة وبشكل يسير اي سهل مع جهد يسير وان القمار هو احد صوره وليس حصرا وسمي بذلك لان في القمار يتم فيه جني الارباح بشكل يسير وسهل وكل فعل يجلب ارباح وفائدة سريعة ويسيرة بدون جهد يسمى ميسر. اما من منظور قراني بحت نرى القرأن الكريم استخدم مشتقات هذه الكلمة كما في قوله “يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” فاليسر هنا مقابل العسر اي الصعوبة والشدة وغيرها من الايات اما من يقول بأن للميسر معنى اخر وفقاً للسريانية والارامية او العبرية (ليعني نوع من عصير الفواكه)  فهذا ليس له علاقة بالقران الكريم ولا يعنينا بشيء فان القران نزل بلسان عربي مبين ومع احترامي لهذا الراي.واكتفي بهذا القدر فليس في محله في هذا البحث.

وبإختصار نلخص ما مضى هو ان الخمر يطلق على مادة مخدرة او مخمرة للعقل فتعطل عمل العقل الرئيسي وهو تعقل الامور وقابلية التمييز بين الصالح والطالح والحق والباطل وغير ذلك.

الخمر بين التحريم والنهي والاجتناب

الجزء الخامس

الان لنأخذ النص الثاني الذي ورد فيه مفهوم الخمر :

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ@ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ” 

(البقرة: ٢١٩﴾

هذه الاية هي من اهم الايات التي استدل بها كل فريق على استنباط حكم تناول الخمر بخصوص جوازه او حرمته. 

فسوف يكون مركز البحث ولكن قبل ان اتوسع في فهمها اود ان القي نظرة سطحية وبسيطة للنص اعلاه كمقدمة لطرح خطورة الموقف فنلاحظ النص ظاهراً يشير الى تداعيات الخمر الخطيرة على سلامة الفرد وسلوكه وآثارها على علاقته بالله، فقد وصفت الاية العناصر الاربعة بانهم:

١- “رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ “

٢-العداوة والبغضاء.. “إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْر والميسر”

٣-الصد عن ذكر الله..”وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ”

٤-الصد عن الصلاة بجميع صورها ..”وَعَنِ الصَّلَاةِ”

وبعد كل هذه التداعيات والمحذورات وخطورة تناول الخمر  وممارسة الميسر والانصاب والازلام على سلوك الانسان والمجتمع وعلاقته بالله فيقول الله تعالى في نهاية الاية الاولى (٩٠) :

 “فَاجْتَنِبُوهُ”

فعند الاجتناب يتحقق الفلاح للفرد وللمجتمع:

“لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”

اما في نهاية الاية التالية لها (٩١) في نهاية النص فنلاخظ النص اقتصر على ذكر عنصرين فقط من الاربعة المذكورة في النص الذي سبق فقد تناول فقط الخمر والميسر ولم يذكر الانصاب والازلام وذلك لاهمية هذين العنصرين وحضورهم بقوة على محور الزمن في جميع الازمان والمجتمعات فاكد المولى على الانتهاء من الخمر والميسر واشار النص على وجود ارتباط وثيق بين حبائل الشيطان وعنصري الخمر والميسر  كما في قوله؛

“إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْر والميسر”

والملاحظة المهمة هنا ويجب الالتفات اليها وهي ان النص ربط بين العداوة والبغضاء من جهة وبين مادة وجنس الخمر والميسر من جهة اخرى، فعندما قال تبارك وتعالى:

 “إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ” 

نلاحظ المحذور في هذا النص والذي هو  “العداوة والبغضاء” لم يتعلق بالرجس حصراً بل وقع ” فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ” اي لم يقل نص الاية؛  “في رجس الخمر  والميسر” فعندما يقول النص “في الخمر ” ولم يقل “في رجس الخمر” وهذا يدل على ان المحذور منه هو مادة اي جنس الخمر  بكل صوره كما بينت آنفاً وان المحذور “العداوة والبغضاء” هو تحصيل حاصل.

وبعد هذا التنبيه والتحذير فيقول الحق؛

“فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ”

والملاحظة المهمة هنا ان الخمر والميسر  و..، في النص تعلق بهم خطاب توصيفهم بالرجس اولاً وثم من عمل الشيطان وأمر مهم وهو الاجتناب وهذا ينذر بخطورة ما يتعلق بهذه العناصر الاربعة المحذور منها ونرى كذلك تعلق شرط الفلاح في الحياة على جميع الاصعدة على اجتناب هذه العناصر الاربعة واهمها عنصر الخمر لانه ذكر اولها “انما الخمر..” لاهميته في حياة الفرد وحضوره في حياة المجتمع. وكذلك نرى ان خطاب النهي تعلق فقط في عنصرين فقط وهما الخمر والميسر  مما يدل على خطورتهما على المجتمع وجاء الخطاب بصيغة استفهامية وهنا يدل على التوبيخ في حالة عدم اجتنابهما اي بعد كل هذه التنبيهات والتحذيرات فقال النص “فهل انتم منتهون” وهذه الصيغة لها وقعٌ اكبر على الوجدان كما هو معلوم.

فلو اخذنا هنا عبارة “اجتنبوه” (قبل ان نناقش عائدية الضمير) فهي في صيغة الامر وما الذي يعني اذا عصى الانسان هذا الامر اي ما الذي يتوقعه الانسان عندما يعصي امر الله في الخمر فيقول الله اجتنبوه فهل من المعقول ان يحسب الانسان عندما لا يجتنب الخمر فلا يعتبر معصية ولا يترتب عليه عقاب. (في هذه المرحلة من البحث لم اتناول مسألة اجتناب رجس الخمر فسوف يكون النقطة الساخنة في البحث. )

والجدير بالذكر هنا ان في جميع الايات التي ورد فيها التحذير من الخمر نلاحظ انه جاء في سياق الرجس الشيطاني اما بالنسبة الى المحرمات المتعلقة ببعض انواع الطعام فلم تأتي في سياق ذو علاقة بالشيطان اطلاقاً وانما جاءت فقط في سياق الرجس او الفسق وكذلك نلاحظ فيها بعض التساهل من حيث الاضطرار “فمن اضطر غير باغ ولا عاد ” ووعد الله الناس في سياق الاضطرار المغفرة كما في قوله:

فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ “

ولم نرى اي تساهل لما يتعلق في الخمر وغيره والسبب في ذلك من وجهة نظري والله اعلم هو ان الخمر له اضرار واثار خارج اطار الفرد ويقع على المجتمع فضلاً عن اضراره الصحية على الفرد اما الاكل والطعام فغالباً لا تتعدى اضراره الى الغير بل تنحصر ضمن نطاق بدن وصحة الفرد.

إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّـهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿النحل: ١١٥﴾

“مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا”

لنكمل ما يحذر منه النص من تداعيات واثار سلبية على الفرد وعلاقته بالمجتمع، حيث يخبرنا القران الكريم انه في الخمر يقع ما يلي:

٣-الصد عن ذكر الله..”وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ”

٤-الصد عن الصلاة بجميع صورها ..”وَعَنِ الصَّلَاةِ”

وهنا سوف لا اتناول اي منهما لانهما ليسوا موضع بحثنا ولكن فقط اردت الاشارة اليهما لتبيان تداعيات الخمر والميسر على الفرد وعلاقته بالله والمجتمع واكتفي بهذا القدر. 

الخمر بين التحريم والنهي والاجتناب

الجزء السادس

اجتنبوه …

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”

والسؤال هنا لمن يعود ضمير الهاء. فهل يعود على الرجس ام على العناصر الاربعة الخمر والميسر والانصاب والازلام؟

النقطة المهمة هنا لكي نقع على الاجابة  الصحيحة اي ان الاجتناب وقع على تناول الخمر وممارسة الميسر وليس فقط على رجسهما كما يعتقد البعض. وبعبارة اخرى كأن الاية تقول “فأجتنبوا الخمر واجتنبوا الميسر” لان كلاهما ارتبطا بواو العطف والعطف يقتضي التغاير  وعلى هذا فعبارة “فأجتنبوه” تنسحب على الخمر والميسر انفراداً ولا تتعلق بالخمر حصراً بل كلاهما “الخمر والميسر”

وقد يقول البعض ان الاجتناب هنا تعلق برجس الخمر  حصراً اي المقدار الذي يذهب العقل وهذا لا دليل عليه في نص الاية فيستدل اصحاب هذا الرأي بأن لو كان خلاف ذلك لكانت عبارة “فاجتنبوه” بصيغة المثنى “فاجتنبوهما” او غير ذلك واقول لذلك الاشكال ان عبارة “فأجتنبوه” تدل على مفهوم الجمع وليس المفرد لانه فيه عموم لان عناصر السياق تختلف في الماهية اي احدهم مادة سائلة كالخمر  أو مادة غذائية يتناولها الفرد والثانية هو فعالية سلوكية ربحية كما في فعالية الميسر والاخرى الانصاب والازلام وهما كذلك فعالية تعبدية فهذا الاختلاف في الماهيات يقتضي ان تكون الاشارة اليهم بصيغة العموم الجمع فلا يمكن ان يكون الرجس المذكور في هذه الاية يعود فقط على الخمر حصراً كما بينت آنفاً وهذا لا يختلف عليه اثنان لان النص واضح في تعلقه بالخمر والميسر والانصاب والازلام معاً وبعبارة اخرى نرى في النص ان الخمر قد اشترك في صفة الرجس مع الميسر ومع الانصاب ومع الازلام والمعلوم ضرورةً ان رجس الميسر لا يذهب العقل كما هو عليه الخمر اذن رجس الخمر لا يتعلق بإذهاب العقل حصراً بل يتعلق بتناول مادة الخمر ابتداءاً كمشروب او كمادة بغض النظر عن كمية الخمر المتناول كما ان الرجس يتعلق بمادة الميسر كفعالية ربحية مالية بغض النظر عن حجم ممارسة هذه الفعالية فلا يمكن لاحد ان يقول ان قليل من ممارسة الميسر لا بأس به وليس فيه رجس ولا يترتب عليه اثم!! كما يقول البعض في تناول قليل من الخمر لا رجس فيه ولا اثم عليه. 

فعندما قال تعالى “إجتنبوه” فالاجتناب وقع على تناول اي تعاطي مادة الخمر  وممارسة الميسر والانصاب والازلام لان في تناول مادة الخمر يكون مقدمة لتحقق المعنى الدلالي لكلمة “خمر” وهو جعل غطاء للشيء.

فلو افترضنا جدلاً ان الضمير في إجتنبوه يعود على الرجس فنقول واذا كان كذلك فهو لا يغير المعنى العام الذي طرحته ولا يبرر جواز تناول قليل من الخمر (تجنب رجسه) وذلك للاسباب الدلالية اللسانية التالية:

النص يقول لنا “إنما الخمر والميسر و…..، ” نلاحظ هنا لسانياً ان النص حصر العناصر الاربعة باداة الحصر “إنّما” ليحصر ويوجه الخطاب بمجموعة معينة يتم تعريفها في النص. فقد عرّف النص هذه العناصر الاربعة بصفة واحدة وهي “الرجس” وهذه الصفة ارتبطت بصفة اخرى وهي عمل الشيطان اي صفة الرجس هي من عمل الشيطان.           

والجدير بالذكر هنا وكما ذكرت آنفاً ان توظيف عبارة “الخمر” لا يعني بالضرورة مادة الكحول المعروفة حصراً، بل تشمل كل مادة تتصف ماهيتها مما يؤدي بها باسدال غطاء على العقل عند تعاطيها وتفاعلها مع دم الفرد وبعبارة اخرى فلو كان الرأي الذي يجيز تناول قليل من الخمر مع اجتناب رجسه لكان الاحرى بالنص ان يكون بالشكل التالي: 

“انما يريد الشيطان ان يوقع العداوة والبغضاء بينكم في رجس الخمر والميسر ….” 

حينئذٍ يكون ذلك الرأي مقنع اكثر ، ولكن النص الاصلي يقول “….في الخمر والميسر” ولم يقل “في رجس الخمر..”

سياقات اجتنبوا في التنزيل الحكيم

“وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ… ﴿النحل: ٣٦﴾”

“..فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴿الحج: ٣٠﴾”

“وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا…﴿الزمر: ١٧﴾”

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ…﴿الحجرات: ١٢﴾”

سوف يتم مناقشة هذه السياقات ادناه.

الخمر بين التحريم والنهي والاجتناب

الجزء السابع

هل الخمر هو من كبائر الاثم؟

وهناك من يقول ان تناول قليل من الخمر من اللمم وليس من الكبائر. ومن وجهة نظري انه لا دليل على كونه من اللمم اطلاقاً سواء قليل منه او كثير بل يمكن ان نقول ظاهر النص يدل على كونه خلاف ذلك اي من الكبائر وسوف اوضح ذلك بعد قليل. ولكن من اليقين الذي يرتكب جرماً بتأثير الخمر فهذا من الكبائر، وهذا مما لا ينفيه الجميع. وهناك من يقول ان تناول الخمر مسموح به ولكن جانب الحرام هو حالة السكر وهذا الراي لا دليل عليه اي ليس هناك اية صريحة تربط بين الخمر وحالة السكر ولكن الارجح عندي هو ان السكر لا يؤدي الى إذهاب العقل حصراً ولكن كذلك تعني سرح البال وعدم التركيز في عملية التفكير قد يكون بسبب التعب والمشقة والجهد البدني والفكري كما سوف يتوضح في الاسطر القادمة. 

وبناء على هذا ان التحريم والنهي يترتب عليهم المعصية والعقاب فمن يعتقد ان عصيان امر الله في اجتناب الخمر “فأجتنبوه” لا يمثل معصية ولا يترتب عليه عقاب وانه اقل درجة من ارتكاب المحرمات، فهو حر فيما يعتقد وانا احترم هذا الرأي ومن حقنا ان نتدبر في اراء اخرى وفي اعتقادي ان في كل هذه الايات المذكورة هي ادلة كافية تدل على ان مفهوم اجتناب الخمر لا يقل درجة عن المحرمات عند الله. 

القرأن يؤكد ان في الخمر اثم كبير وهذا يقتضي ان يجعل الخمر يحتوي في كينونته كبائر الاثم اي تصبح كبائر الاثم عند تفاعلها مع شروط وظروف الواقع وهذا استنتاج عقلي لساني لان الشيء الذي يشمل على اثم كبير في كينونته (فيه اثم كبير) فتناوله او ممارسته يكون من كبائر الاثم او يؤدي الى ارتكاب كبائر الاثم. وهذا يتفق مع منطق دلالة النص العربي المبين. وهذا الاستنتاج المنطقيً العقلي الاستدلالي يأخذنا الى حقيقة اخرى مهمة وهو ان كبائر الاثم او صغائره قد صرح القران الكريم بانها من المحرمات، اي ان الاثم بكل انواعه من المحرمات كما في قوله تعالى:

قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿الأعراف: ٣٣﴾

وقد يقول الدكتور محمد شحرور المبدع  ان  هناك اثم بحق واثم بغير حق وهذا الادعاء لا يستقيم مع سياق النص ومع احترامي لهذا الرأي فمن وجهة نظري ان عبارة “بغير حق” هي مضافة فقط الى عبارة “البغي” ولا تنسحب على عبارة الاثم وقد كتبت في هذا الموضوع سابقاً بالتفصيل فيمكن الرجوع اليه. 

وفي نص اخر نرى ان الاثم قد ورد في صيغة الاجتناب ايضاً فضلاً عن وروده في صيغة التحريم كما في سورة الاعراف ٣٣، المطروحة آنفاً:

“وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴿الشورى: ٣٧﴾”

وذات صيغة الاجتناب قد تكررت في الاية التالية: 

“الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ﴿النجم: ٣٢﴾”

فنستنتج من هذه الحقيقة اللسانية هو نرى ان كبائر الاثم قد وردت في نوعين من الصيغ التشريعية الدلالية اللسانية وهما صيغة التحريم والاجتناب كما بينا اعلاه في سورة الأعراف: ٣٣ بخصوص تحريم الاثم وسورة الشورى: ٣٧ مع سورة النجم: ٣٢ بخصوص اجتناب الاثم.

والسؤال هنا هو هل جنس الخمر كمادة هو من كبائر الاثم ام ان رجس الخمر (حالة السكر) هو من كبائر الاثم فقط كما يطرح حديثاً؟

الخمر بين التحريم والنهي والاجتناب

الجزء الثامن

للاجابة عن هذا السؤال المحوري ينبغي ان نفهم ما هو الرجس لسانياً وقرانياً…

مفهوم الرجس في اصل اللسان العربي:

جاء في مقاييس اللغة لابن فارس ما يلي:

“(رَجَسَ) الرَّاءُ وَالْجِيمُ وَالسِّينُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَاطٍ. يُقَالُ هُمْ فِي مَرْجُوسَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، أَيِ اخْتِلَاطٍ. وَالرَّجْسُ: صَوْتُ الرَّعْدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَتَرَدَّدُ. وَكَذَلِكَ هَدِيرُ الْبَعِيرِ رِجْسٌ. وَسَحَابٌ رَجَّاسٌ، وَبَعِيرٌ رَجَّاسٌ. وَحَكَى ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: هَذَا رَاجِسٌ حَسَنٌ، أَيْ رَاعِدٌ حَسَنٌ. وَمِنَ الْبَابِ الرِّجْسُ: الْقَذَرُ; لِأَنَّهُ لَطْخٌ وَخَلْطٌ.

والرجس في اللغة كل ما استقذر من عمل. يقال: رجس الرجل رجساً ورجس إذا عمل عملاً قبيحاً، وأصله من الرجس بفتح الراء، وهو شدة الصوت. يقال: سحاب رجاس إذا كان شديد الصوت بالرعد فكان الرجس هو العمل الذي يكون قوي الدرجة كامل الرتبة في القبح.”انتهى الاقتباس

اذن المعنى العام للجذر اللغوي هو “الاختلاط” فوقوع القذارة على الشيء النظيف تسمى الحالة الجديدة للشيء بأنه مرجوس ويسمى الحدث بالرِّجس (بالكسرة) فاذا كان السياق معنوي حول مفهوم النفس مثلاً وليس شيء مادي فتكون القذارة معنوية تتعلق بصفاء ونقاء النفس فاذا اختلطت بقذارة معنوية فتصاب النفس بالرِّجس.

No major side effects:-Since Kamagra tablets cialis cialis uk learningworksca.org do wonder for a male with erection disorders. A parent suffering from cialis in the uk psoriasis, for example, is more likely to happen as a man gets older, particularly after he’s 60. But according to new studies, 5% of men above the age of 18 can tend to be affected by erectile dysfunction in men, and thus the couple maintains a healthy sexual life but that does not cialis 5mg sale happen to all. With the assistance of this ponder tranquilize it is conceivable to lead a cheerful and substance adore life. viagra cheap generic 100mg has been a main answer for treating erection issue in men.

مفهوم الرِّجس في التنزيل الحكيم:

من خلال تفحصنا سياقات الرِّجس المختلفة في التنزيل الحكيم نستطيع ان نرى للرجس جانب معنوي واخر مادي فالاول هو تلوث النفس والتي هي نقية في اصل وجودها وخلاف نقائها وبقائها على صورة فطرتها النقية والتي هي في اصل تكوينها قدسية مضافة الى المقدس “الله” كما في قوله “فطرة الله” وليس من سنخ الانسان اي ليست مضافة للانسان لتكون  “فطرة الانسان” اما الثاني، المادي،  فهو يدل على قذارة الشيء.

فالجانب الاول المعنوي لمفهوم الرجس، كما هو واضح في هذه السياقات القرانية:

تعلق الرجس بعمل الشيطان:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿المائدة: ٩٠﴾

تعلق الرجس بالايمان وامراض القلب:

“فَمَن يُرِدِ اللَّـهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّـهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿الأنعام: ١٢٥﴾

“قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّـهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ﴿الأعراف: ٧١﴾”

“سَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿التوبة: ٩٥﴾”

“وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ

 ﴿التوبة: ١٢٥﴾

“وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴿يونس: ١٠٠﴾”

“ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴿الحج: ٣٠﴾”

“وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴿الأحزاب: ٣٣﴾”

الجانب المادي لمفهوم الرجس:

قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا {{{أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ }}} أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّـهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿الأنعام: ١٤٥﴾

نرى من النص اعلاه ان الرجس تعلق بلحم الخنزير وهذا يدل على قذارة هذا النوع من الطعام ولا بأس ان نشير هنا ان الرجس ليس له علاقة بحيوان الخنزير كمخلوق خلقه رب العزة. فالرجس هنا يتعلق بطبيعة لحم الخنزير ومدى ملائمته لصحة بدن الانسان.

ونلف نظر القاريء الكريم الى نقطة مهمة في هذا النص وهو ان “لحم الخنزير” قد وقع عليه التحريم في اول النص وكذلك وصف بانه رجس”إنه رِّجس” اي بعبارة اخرى هنا يدل على ان الشيء المرجوس والذي يكتسب صفة الرجس قد وقع عليه التحريم وليس الاجتناب او النهي وهذا قد يدل الى ان هناك علاقة إجرائية جوهرية بين التحريم والاجتناب والنهي وسوف اتوسع في هذا الباب لاحقاً.  

الخمر بين التحريم والنهي والاجتناب

الجزء التاسع

هل ان الرأي القائل بأن المنهي عنه هو رجس الخمر (حالة السكر)  وليس تناول الخمر برمته كمشروب، هل هذا الرأي سديد ويمكن ان يصمد اما التنزيل الحكيم؟؟؟

عندما نتفحص ايات التنزيل الحكيم نرى ان اجتناب “الرجس من الشيء ” يكون مصرّح به بوضوح في القران الكريم اي ان رجس الشيء او الرجس الناتج عن تناول او ممارسة او تفاعل مع الشيء يكون مصرح به في النص كما في قوله:

“….فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴿الحج: ٣٠﴾”

فهنا نرى وبوضوح الشمس ان الاجتناب تعلق فقط بالرجس المتعلق بالاوثان وليس بجنس الاوثان لان هناك من الاوثان في مجال الفن والثقافة فلا ضير في ذلك. 

فمن يقول ان في حالة الخمر ان الاجتناب تعلق برجس الخمر (السكر) فقط فهذا لا دليل عليه ولا يصمد مع هذه الاية وألا لكان الاحرى ان يكون نص اية الخمر على غرار هذه الاية (الحج ٣٠) بالشكل التالي:

“انما الخمر والميسر رجس من عمل الشيطان فأجتنبوا رجسه ..” 

او يمكن ان يكون نص اخر ليزيل الالتباس على غرار اية الاوثان اعلاه “فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ” فيكون النص المفترض على الشكل التالي:

“اجتنبوا الرجس من الخمر ..” 

فيكون حيئذٍ صلاح ذلك الرأي بجواز تناول قليل من الخمر (قبل تخمر العقل ) ولكن نص الخمر لم يأتي باي من هذه الصيغ فعلينا التدبر بشكل اكثر لكي يكون تدبرنا اقرب للصواب وأحسن تأويلا.

وان اصحاب هذا الرأي يقولون بأن عبارة الرجس جاءت متعلقة برجس الخمر فقط اي الرجس الناتج عن تحقق حالة السكر وذهاب العقل وليس متعلق بجنس الخمر كمادة بعينها. وكذلك يقولون ان عبارة “اجتنبوه” في النص جاءت بصيغة المفرد ولهذا فهو يتعلق بعبارة “رجس”. هذا الاستدلال ليس صحيحاً ابداً من منظور لساني بحت حيث نرى ان عبارة “رجس” هي صفة لحالة اكتسابية كمفهوم وان المفهوم لا يجمع بالضرورة حين اضافته للشيء فمثلا لو اخذنا النص التالي: 

…فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ … 

﴿التوبة: ٩٥﴾”

نلاحظ هنا السياق تعلق بمجموعة من الناس وليس مفرداً كما في “فأعرضوا عنهم” فهذا جمع ولا يختلف عليه اثنان ومع ذلك لم يجمع مفهوم الرجس فجاء في صيغة المفرد “رجس” فالنص لم يقول “انهم ارجاس ” لان جميعهم اشتركوا بصفة الرجس فبقيت بصيغة المفرد. فاذا اخذنا نص “انما الخمر… “رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه” فنرى ان اجتنبوه لا يتعلق برجس الخمر حصراً وانما تضمن رجس الميسر والانصاب والازلام كما في قوله: 

أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿المائدة: ٩٠﴾

وبعبارة اخرى ان هناك عناصر في النص  اشتركوا جميعاً في صفة الرجس والتي هي تداعيات واثار واقعة نتيجة هذه العناصر الاربع المذكورة، فجاءت عبارة الرجس لتشمل العناصر الاربعة ولم تأتي بصيغة الجمع لان لا حاجة لذلك وان امكن ذلك لسانياً. اذن عبارة “رجس” في النص لا تتعلق برجس الخمر حصراً وانما تتعلق برجس الميسر والانصاب والازلام كذلك وهذا لا يمكن ان يختلف عليه اثنان اي لا يمكن ان يقول احد له المام بأصول اللغة بأن الرجس تعلق بالخمر حصراً وان ليس هناك رجس في الميسر وغيره في النص. 

وبناءاً على هذا فكيف نفهم عبارة الرجس بالنسبة للميسر مثلاً فلو افترضنا جدلاً صحة هذا الرأي (جواز تناول قليل من الخمر) وسلمنا جدلاً بان الرجس هنا المقصود به هو حالة السكر كما يقول هذا الرأي فيا ترى ما هو رجس الميسر فهل يمكن ان يقول احد ان ممارسة الميسر يوصل الى حالة السكر او ذهاب العقل كما هو الحال مع تناول الخمر. ولا اعتقد ان لاحد ان يقول بذلك. وعلى هذا فيبقى معنا ان الرجس المذكور في النص ليس له علاقة بحالة السكر (كثير من الخمر) وانما يتعلق بجانب محدد من جنس المادة او الشيء المذكور وهما بالتحديد كل مادة تتعلق بها صفة الخمر (الغطاء) عند تعاطيها بدنياً (كغذاء) وكل مادة تتعلق بها صفة الميسر (السهولة في جني الارباح الغير مقننة)، وهذا الجانب المعني هو الاثم المتحقق في كينونة مادة الخمر كما اشارت اية الخمر في سورة البقرة “يسألونك عن الخمر والميسر فل فيهما اثم كبير ومنافع للناس..”

فلا يمكن احد ان يقول ان قليل من الخمر جائز لانه جاء في صيغة النهي او الاجتناب واذا كان هذا الراي صحيحاً جدلاً فهذا يقتضي يكون ان قليل من الميسر جائز او قليل من الانصاب وهكذا. 

وأضف الى ذلك القران يدعوا الى اجتناب  قول الزور ولا يمكن ان نقول قليل من قول الزور جائز، وهذا يصطدم بقوة مع هذا النص:

“…وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ”

 ﴿الحج: ٣٠﴾”

والمعلوم ضرورة ان جميع قول الزور محرم لا قليله ولا كثيره.

لماذا لم يدرج الخمر ضمن قائمة المحرمات في الاية التالية :

“قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّـهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿الأنعام: ١٤٥﴾”

هذا السؤال غالباً يطرحه اصحاب الرأي المعاصر (الذي يقول بجواز قليل من الخمر ). والاجابة على هذا السؤال هو يكمن في التفريق بين الطعام والشراب فنرى اية ١٤٥ من الانعام تتناول قائمة الاطعمة فقط ولا تتطرق الى اياً من انواع المشروبات او المواد التي ليست بالطعام والدليل على ان هناك فرق بينهما هو الاية التالية: 

“وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴿البقرة: ١٨٧﴾

فالنص واضح يفرق بين الاكل والشراب “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ” وهناك ايات اخرى مثيلاتها وجميعها تفرّق بين الطعام والشراب وادق هذه الايات التي تفرق بين الطعام والشراب بشكل قطعي الثبوت هي الاية التالية:

“فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ..”

حيث نرى هذه الاية ذكرت مفردة الطعام والشراب في ذات النص وبينهما واو العطف وهو يقتضي التغاير. 

الخمر بين التحريم والنهي والاجتناب

الجزء العاشر

مفهوم تخامر العقل (والمعروف اصطلاحاً بالسُكر) في التنزيل الحكيم واللسان العربي:

“أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ”

هذه الاية هي اكثر الايات اشكالاً وضبابيةً من خلال معناها الظاهري، فكل من يقرأ هذه الاية سوف يحضر في ذهنه المعنى الشائع لعبارة “سكارى” وهو حالة السكر الناتجة من تعاطي الخمور المعروفة وهذا الاعتقاد السائد ادى بهم الى ان يعتقدوا ان هذه الاية تبيح الخمر مع الحذر من الوصول الى حالة السكر، وهذا طبعاً فهماً خاطيء ومجحف بحق النص القراني. 

باختصار وهو ان عبارة سكارى لا تعني حالة السكر المتعلقة بمادة الخمر حصراً، فلها معاني اخرى وفق سياقاتها اي انها ليست حكراً على مادة الخمر كما هو شائع بل تشمل حالات اخرى بالاضافة الى حالة السكر الخمري، فهناك حالة سُكر مشقة وظروف مما تجعل الفرد متحير ومشغول البال وما اكثر هذه الحالات اليوم في عالمنا العربي المسلم بالخصوص. ففي اصل اللسان العربي نرى ما يلي:

“”(سَكِرَ) السِّينُ وَالْكَافُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى حَيْرَةٍ. ….وَالتَّسْكِيرُ: التَّحْيِيرُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} [الحجر: 15] “”

ففي الاية المذكورة “لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون” تشمل جميع الحالات في ارض الواقع لتعني مثلاً عدم التركيز الفكري لتفاصيل عبادة الصلاة، وكذلك تخاطب الانسان الذي قد يتناول الخمر لظروف قاسية فاذا حصل ذلك لا يعني انه يقنط من رحمة الله فلا داعي ان يشعر انه غير مسموح له للصلاة او ان الله لا يتقبل صلاته اذا اراد ان يصلي بعد رجوعه الى وعيه الطبيعي فهذا الخطاب من الرحيم الى مخلوقاته ويقول له لا تحزن مهما تكون ظروفك تقرب اليّ من خلال الصلاة ولكن ينبغي عليك ان يكون فكرك صافي وواعي لكي تعلم ما تقول، بمعنى ان النص لا يبيح الخمر لا ابداً ولكن تعطي لمن يشرب الخمر مثلاً فرصة للرجوع الى الله اي لا يعني ان من شرب الخمر لظرف ما او تعود عليه ان ممنوع عليه الصلاة وانه مطرود من رحمة الله، فالطريق مفتوح له متى اراد ولكن عليه ان لا يكون سكران مثلاً وليس حصرا، اي متعاطي مسكر وقت الصلاة. وكذلك الحالات الاخرى التي تشغل بال المصلي. ومثاله اذا كان هناك ابن يشرب الخمر والام ترى حالة ابنها المؤلمة فمحبة له تقول له يا ابني تفضل اليوم بزيارتنا على عشاء مع ابوك واخواتك ولكن ارجوا منك ان لا تكون سكران لكي نأنس بزيارتك لتعلم وتعي ما يدور من حديث، ففي هذه الحالة ان طلب الام لا يعني انها تؤيد شرب ابنها للخمر ولكن انطلاقاً من حبها لابنها طلبت منه عدم السكر وقت الزيارة. وهكذا رب العباد فهو ارحم على عباده من الام والاب فهو تعالى يدعوا الجميع الى مائدة الوصال (الصلاة) المذنب والمطيع والمدمن والمؤمن فاذا قال لهم لا تقربوا الصلاة(وسيلة الاتصال بي) وانتم سكارى لا يعني انه اجاز الخمر لا ابداً. 

ويمكن ان نؤكد هذا التوجه في المعنى الواسع لمفهوم السكر لنقرأ الايات التالية واغلبها لا علاقة لها بالسكر الخمري:

“لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ﴿الحجر: ١٥﴾”

“لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ

 ﴿الحجر: ٧٢﴾”

“وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿النحل: ٦٧﴾”

“وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ”

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ .. ﴿النساء: ٤٣﴾

“يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ ﴿الحج: ٢﴾”

وكما هو واضح من هذه السياقات ان عبارة سكارى تتعلق بحالة الوعي الفكري والذهني نتيجة اسباب مختلفة ومنها “السكر الخمري” وليس حصراً. 

فلو اخذنا النص التالي :

وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿النحل: ٦٧﴾”

نرى بوضوح ان السكر ليس بالضرورة ان يكون شر او يتعلق بالاثم لان هذه الاية نعتت المادة المستخرجة “سَكَرًا” بانها ايةً كما في قوله: “إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ” ولا يمكن ان يكون الشيء، يصفه النص القراني بأنه “آية” وفي ذات الوقت يمكن ان يكون شراً او رجس.

الخمر بين التحريم والنهي والاجتناب

الجزء الحادي عشر

العلاقة بين التحريم والاجتناب والنهي هي دلالية لسانية تعبيرية سياقية لا غير …

عندما نقرأ جميع الاراء المطروحة والجدالات والسجالات بخصوص تحريم او جواز الخمر نرى ان جميع الاطراف تفرّق جوهرياً بين مفهوم التحريم والاجتناب والنهي ونفي وجود اي علاقة تشريعية بينهما لا من قريب ولا من بعيد مما ادى الى الاعتقاد ان مفهوم حكم التحريم هو اقوى حكماً من حكم الاجتناب وحكم النفي  بخصوص طبيعة التعامل مع الاشياء المعنية الواقعة تحت التحريم او الاجتناب او النهي. وفي الغالب نرى الكثير يقارن بين التحريم والنهي مع اهمال وضع مقارنة بين التحريم والاجتناب وهو الاقرب صيغة مما ينتهجه القرأن. 

فالاشكال الجوهري هنا وهو كيف نفهم مفهوم التحريم والاجتناب والنهي في ضوء كل منهما الاخر وهل هناك علاقة دلالية لسانية وتشابك حُكْمي تشريعي ام لا. ومن وجهة نظري هذه هي الحلقة المفقودة في هذا الموضوع المهم والخطير. وهذا الالتباس وعدم الالتفات الى ايجاد علاقة بين هذه المفهاهيم الثلاثة (التحريم والاجتناب والنهي) ادى الى هذا الخلاف بين الناس وترك ضبابية في الفهم عند جميع الاطراف. فمن وجهة نظري ان اصل المشكلة في واقع الحال هي دلالية لسانية وضرورة سياقية تعبيرية من حيث تناغم دقة اختيار المفردة لتوافق الاطار العام لمواضع الكلم في السياق النصي وقصدية الخطاب.فتعلق سياق ما بعبارة تحريم او حرم بدل من عبارة اجتنبوا او نهي او انتهو ليس لها علاقة بشدة او ضعف حكمها الشرعي وما يترتب عليه من عقاب او ثواب. اي ان سياق التحريم والاجتناب والنهي يفترقان لسانياً في المبنى في واحة نظم الكلام لما يقتضيه دلالة النص اللسانية ويلتقيان في واحة الحكم والتشريع وما يترتب عليه من ثواب وعقاب. وليس هناك اختلاف بينهم من ناحية مبدأ شمولية او ابدية الامتناع او البعد من الشيء المعني، فيختلفوا في تعلق كل منهما في ارض الواقع لمقتضى دلالي لساني سياقي دقيق ويلتقوا في ما يترتب عليهم من ثواب وعقاب. ولتوضيح ذلك هو ان المسألة تتعلق بدقة واعجاز طبيعة لسان القرأن الكريم وهو اللسان العربي المبين. فان دقة اختيار المفردات لتتناغم مع الدلالة السياقية للنص وما يؤول اليه قصدية النص هي دقة تفوق قابلية العقل البشري المحدود حيث انه صيغ من لدن خبير حكيم. فأن دقة اختيار المفردات المناسبة لما يدل عليه نظم الكلام تكون متناهية في الصغر فتكون ادّق من اي عملية او ظاهرة وجودية على المستوى النووي او الذري للاشياء لانه كتاب الله هو اخر رسالة من الخالق لمخلوقاته. فلكي نفهم ذلك ينبغي ان نفهم الدلالة اللسانية لهذه المفردات قدر المستطاع ونحاول ان نجد علاقة دلالية بينهما. 

العلاقة الدلالية اللسانية بين التحريم والنهي والاجتناب!

التحريم 

فلنأخذ اولاً مفردة “حرمنا او حرّم” فهي مأخوذة من الجذر” (حَرَمَ) الْحَاءُ وَالرَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمَنْعُ وَالتَّشْدِيدُ. فَالْحَرَامُ: ضِدُّ الْحَلَالِ.””

فهنا تعلق مفهوم التحريم بالشيء فوقوع التحريم يكون لعلة تتعلق بالشيء من خارجه بشكل عرضي فالتحريم لا يقع على جنس ما هو محرم لوجود العلة في كيانه (جنسه) حصراً بل قد يكون وجود العلة خارجه ويتعلق بشيء اخر في ارض الواقع. فالسياق يبين ذلك  وعلى هذا فتحريم الشيء يدل على وجوب الامتناع عن التفاعل مع ما هو محذور منه فلنأخذ مثلاً اية تحريم المحارم: 

“حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ …الاية”

فلو لاحظنا النص لم يذكر اطلاقاً ما وقع عليه التحريم اي علة التحريم والمعلوم ضرورة ان التحريم وقع على نكاح هذه القائمة من المحارم ومع ذلك لم تذكر الاية ما هو المحرم وما هي علّة التحريم والجواب على ذلك ان سياق الايات التي سبقت تدل على ان المحرم هو نكاح المحارم وليس العلاقة مع جنس المحارم. فلو قرأ احد الغرباء من غير المسلمين هذا النص بمعزل عن القرأن ويأخذ ظاهر النص فقط فسوف يستغرب لماذا النص يحرم الانسان من امّه مثلاً ” حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ”

والذي اريده من هذه الحقيقة الدلالية السياقية هو التحريم هنا لم يقع على جنس الام والمحارم بل وقع على العلاقة الجنسية اي النكاح بجميع صوره ومن جميع جوانبه عل ارض الواقع اي لا مداعبة ولا شهوة جنسية ولا اجراء عقد نكاح مع هذه المحارم فالعلاقة الجنسية من جميع جوانبها محرمة فالتحريم هنا ليس له علاقة بما وراء ذلك من علاقات عائلية واذا اخذنا المعنى الظاهري للتحريم وهو المنع والتشديد فيه فهذا يعني ان النص يدعوا الى قطع الارحام وهذا محال. فالعلاقات العائلية الرحمية غير مشمولة في هذا السياق التحريمي وهذا يدل ان الجانب المحرم هنا وهو العلاقة الجنسية بشكل ابدي وليس فيه استثناءات اي العلاقة الجنسية مع المحارم مغلقة من جميع الجوانب. وكذلك يعني في ذات الوقت انه ينبغي اجتنابه وكذلك في نفس الوقت ينبغي الانتهاء منه، اي انه محرم وكذلك منهي عنه وكذلك ينبغي اجتنابه في نفس الوقت. 

اما في حالة الدم والميتة ولحم الخنزير فالتحريم وقع على اتخاذ هذه المواد كغذاء وليس الامتناع عنهم كجنس ومادة وذات الشيء حصل هنا كما هو عليه في اية المحارم وهو النص لم يذكر تحريم تناول هذه المواد كغذاء ولكن السياق يدل على ذلك. 

وكذلك الشيء حصل مع مادة الخمر والميسر. 

واخيراً نستنتج مما ذكر اعلاه ان هناك تحريم وهناك نهي واجتناب في التنزيل الحكيم 

والتحريم هو يتعلق بجنس الشيء وكيانه اي ان المعلوم عقلاً ان الشيء يكون له جوانب  عدة من حيث جميع صور تفاعله مع الواقع. فاذا كان التحريم في سياق الطعام كما في حالة الدم والميتة ولحم الخنزيز فالتحريم يعني الامتناع عن تناول جنس هذا الشيء لا قليل ولا كثير. اما اذا كان سياق التحريم في العلاقات الجنسية بين الافراد فهذا يعني الامتناع التام من هذا النوع من العلاقة الجنسية كما في تحريم نكاح المحارم فلا يجوز علاقة جنسية كاملة او ناقصة مع المحارم او حتى الاقتراب او الملامسة الشهوانية فالتحريم يدل على المنع التام في سياق العلاقة الجنسية اما ما عدا ذلك فمسموح الانواع الاخرى من العلاقات البريئة. فاذا وقع هذا الشيء في سياق التحريم كما في ( حرّم، حرّمنا، حرّمت..) فهذا يعني منع التفاعل في اطار محدود وفق ما يدل عليه السياق مع هذا الشيء المشار اليه من جميع الجوانب فمثلاً وقع التحريم على الدم والميتة ولحم الخنزير وهذا يعني ان في سياق طعام وغذاء الانسان ان كل جنس الدم والميتة ولحم الخنزير هو محرم اي ان العلاقة الغذائية هو وقع عليه التحريم والمنع اما في سياقات او مجالات اخرى فلا ضير في ذلك والنص لا يمنع التفاعل مع هذه المواد في مجالات اخرى غير الطعام. 

الخمر بين التحريم والنهي والاجتناب

الجزء الثاني عشر

مفهوم النهي؛

اما بالنسبة لمفهوم “النهي” لسانياً، فهي مأخوذة من الجذر اللساني نهى كما جاء في مقاييس اللغة لابن فارس؛

” (نَهَيَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى غَايَةٍ وَبُلُوغٍ. وَمِنْهُ أَنْهَيْتُ إِلَيْهِ الْخَبَرَ: بَلَّغْتُهُ إِيَّاهُ. وَنِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ: غَايَتُهُ. وَمِنْهُ نَهَيْتُهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ لِأَمْرٍ يَفْعَلُهُ. فَإِذَا نَهَيْتُهُ فَانْتَهَى عَنْكَ فَتِلْكَ غَايَةُ مَا كَانَ وَآخِرُهُ. وَفُلَانٌ نَاهِيكَ مِنْ رَجُلٍ وَنَهْيُكَ، كَمَا يُقَالُ حَسْبُكَ، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ بِجِدِّهِ وَغَنَائِهِ يَنْهَاكَ عَنْ تَطَلُّبِ غَيْرِهِ. وَنَاقَةٌ نَهِيَّةٌ: تَنَاهَتْ سِمَنًا. وَالنُّهْيَةُ: الْعَقْلُ، لِأَنَّهُ يَنْهَى عَنْ قَبِيحِ الْفِعْلِ وَالْجَمْعُ نُهًى.

وَطَلَبَ الْحَاجَةَ حَتَّى نَهِيَ عَنْهَا، تَرَكَهَا، ظَفِرَ بِهَا أَمْ لَا، كَأَنَّهُ نَهَى نَفْسَهُ عَنْ طَلَبِهَا. 

وَالنَّهْيُ وَالنِّهْيُ: الْغَدِيرُ، لِأَنَّ الْمَاءَ يُنْتَهَى ..” انتهى الاقتباس.

اما مفهوم النهي في التنزيل فهو يدور في فلك المعنى الدلالي اللساني المشار اليه وهو “يَدُلُّ عَلَى غَايَةٍ وَبُلُوغٍ” في جميع صوره التعبيرية وفق مقتضى السياقات. فعند تتبع سياقات النهي النصية فنرى انه يقع على فعالية الشيء وتوظيفه واستخدامه في الواقع ولا يقع او يتعلق بجنس الاشياء وعادة تقع مع الاشياء التي تكون ثنائية او متعددة الغرض في ارض الواقع من حيث الفائدة والضرر، فمثلاً الخمر الاية تصرح بان له فوائد واضرار فلذلك لا يأتي بسياق التحريم بعينه لانه لو حرم فسوف يقع التحريم على جنس الخمر بجميع صوره واستخداماته في ارض الواقع وبهذا يتعذر استخدامه في مجالات طبية عدة ومجالات بتروكيماوية مفيدة. ولهذا لم يرد الخمر تحت صيغة التحريم ولكن ورد تحت صيغة الاجتناب والنهي لمقتضى دلالي لساني حكمي اي لا يجوز تناوله ولكن يجوز استخدامه في مجالات اخرى وبعبارة اخرى ان النهي والتحريم مؤداه واحد عند الله من ناحية العقاب والمعصية. فالتحريم والنهي يختلفان في تحقق ما يدل عليه المعنى ويتفقان في نتيجة ما يترتب عليهما من عقاب.

ولهذا نرى ان الفحشاء جاءت في سياق التحريم وكذلك في سياق النهي:

سياق التحريم

قل انما حرّم ربي الفواحش …”

سياق النهي

إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿النحل: ٩٠﴾

وهذا يدل ان المحرم هو منهي عنه والمنهي عنه هو محرم ما هو محذور منه. احدهما يدل على الثاني وكلاهما يشتركان في ما يترتب عليهما من عقاب. وهل من المعقول ان يقول احدهم ان الفحشاء والمنكر غير محرمة لان النص لم يقول “ويحرّم عليكم الفحشاء والمنكر” لا يمكن ان يقول احد بذلك. اذن المحرم والمنهي عنه كلاهما يدل على الاخر في ارض الواقع من حيث عدم الممارسة او الاقراب منه او تناوله وكلاهما يشتركان من حيث العقاب والثواب. 

اذن يمكن ان نقول ان المحرم هو منهي عنه وان المنهي عنه ينبغي اجتنابه وهذه هي العلاقة الدلالية اللسانية الجدلية كل منهما يدل على الاخر في ارض الواقع.

مفهوم الاجتناب

مفهوم الاجتناب لسانياً هو مأخوذ من الجذر  اللغوي (جَنَبَ) الْجِيمُ وَالنُّونُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ أَحَدُهُمَا: النَّاحِيَةُ، وَالَآخَرُ الْبُعْدُ.

فَأَمَّا النَّاحِيَةُ فَالْجَنَابُ. يُقَالُ هَذَا مِنْ ذَلِكَ الْجَنَابِ، أَيِ النَّاحِيَةِ. وَقَعَدَ فُلَانٌ جَنْبَةً، إِذَا اعْتَزَلَ النَّاسَ. وَفِي الْحَدِيثِ: «عَلَيْكُمْ بِالْجَنْبَةِ فَإِنَّهُ عَفَافٌ» .

اما سياقاته القرانية:

1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿المائدة: ٩٠﴾

2. وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴿النحل: ٣٦﴾

3. ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴿الحج: ٣٠﴾

4. وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّـهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴿الزمر: ١٧﴾

5. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴿الحجرات: ١٢﴾

نستنتج من السياقات اعلاه لمفهوم الاجتناب هو ان الاشياء التي ينبغي اجتنابها هي من المحرمات اصلاً كذلك فمثلاً اجتناب الطاغوت “وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا” يعني ان الطاغوت من المحرمات لان النص يؤكد لنا ان اجتناب الطاغوت هو يؤدي الى امتناع عبادة الطاغوت كما في قوله ” أَن يَعْبُدُوهَا” والمعلوم ضرورة ان عبادة غير الله من المحرمات وهذا من المسلمات القرانية ووفق منهجية وحدة المفهوم للتنزيل الحكيم. فلا يمكن ان نقول ان الطاغوت جاء في سياق الاجتناب اذن انه ليس محرماً او ان تحريمه ليس ابدياً او شمولياً او ينبغي اجتناب رجس الطاغوت. 

الاستنتاج

فالتحريم والنهي والاجتناب هي احكام ذو علاقة جدلية محكمة ببعضها وكل منهم يدل على الاخر ولا يخضعان الى معيار الشدة والضعف في الحكم التشريعي اطلاقاً. فالتحريم هو الحكم العام والنهي والاجتناب هو اثر هذا الحكم العام في ارض الواقع فاذا ذكر الاثر فقط فهو يدلنا على الاصل وليس بالضرورة ذكر الاصل اي اذا ذكر احد الاشياء في سياق النهي والاجتناب (وهو الاثر) لا يشترط ضرورة ان يذكر بسياق التحريم (وهو الاصل) فالاصل يدل على الاثر وكذلك الاثر يدل على الاصل. وبعد هذا البحث الموجز نقول وبكل ثقة علمية وايمانية ان حكم التحريم ليس اقوى من حكم النهي وليس اقوى من حكم الاجتناب كما يذهب اليه المفكر المبدع الدكتور شحرور او ان حكم النهي او الاجتناب هو اقوى واشدّ من حكم التحريم كما يراه المفكر المهندس عدنان الرفاعي، لا هذا ولا ذاك وانما جميعها تتساوى في الشدة والجدية في سريان الحكم على محور الزمن فالجميع لها اثر شمولي وابدي فتحريم نكاح المحارم شمولي وابدي كما ان اجتناب تناول المواد المخدرة شمولي وابدي كما ان اجتناب قول الزور شمولي وابدي وان يأتي في سياق التحريم (وحرمنا عليكم) وكذلك اجتناب الطاغوت شمولي وابدي وان لم يأتي في سياق التحريم.

والله اعلم

ع.ش.ح

Anmar Ahmad

(Adill Hissan)

2019

مصادر البحث

1-التنزيل الحكيم 

ايات البحث

“يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴿البقرة: ٢١٩﴾”

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿المائدة: ٩٠﴾”

“إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴿المائدة: ٩١﴾”

(حَرَمَ) الْحَاءُ وَالرَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمَنْعُ وَالتَّشْدِيدُ. فَالْحَرَامُ: ضِدُّ الْحَلَالِ.

(نَهَيَ) النُّونُ وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى غَايَةٍ وَبُلُوغٍ. وَمِنْهُ أَنْهَيْتُ إِلَيْهِ الْخَبَرَ: بَلَّغْتُهُ إِيَّاهُ. وَنِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ: غَايَتُهُ. وَمِنْهُ نَهَيْتُهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ لِأَمْرٍ يَفْعَلُهُ. فَإِذَا نَهَيْتُهُ فَانْتَهَى عَنْكَ فَتِلْكَ غَايَةُ مَا كَانَ وَآخِرُهُ. وَفُلَانٌ نَاهِيكَ مِنْ رَجُلٍ وَنَهْيُكَ، كَمَا يُقَالُ حَسْبُكَ، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ بِجِدِّهِ وَغَنَائِهِ يَنْهَاكَ عَنْ تَطَلُّبِ غَيْرِهِ. وَنَاقَةٌ نَهِيَّةٌ: تَنَاهَتْ سِمَنًا. وَالنُّهْيَةُ: الْعَقْلُ، لِأَنَّهُ يَنْهَى عَنْ قَبِيحِ الْفِعْلِ وَالْجَمْعُ نُهًى.

وَطَلَبَ الْحَاجَةَ حَتَّى نَهِيَ عَنْهَا، تَرَكَهَا، ظَفِرَ بِهَا أَمْ لَا، كَأَنَّهُ نَهَى نَفْسَهُ عَنْ طَلَبِهَا. 

وَالنَّهْيُ وَالنِّهْيُ: الْغَدِيرُ، لِأَنَّ الْمَاءَ يُنْتَهَى إِلَيْهِ..

(جَنَبَ) الْجِيمُ وَالنُّونُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ أَحَدُهُمَا: النَّاحِيَةُ، وَالَآخَرُ الْبُعْدُ.

فَأَمَّا النَّاحِيَةُ فَالْجَنَابُ. يُقَالُ هَذَا مِنْ ذَلِكَ الْجَنَابِ، أَيِ النَّاحِيَةِ. وَقَعَدَ فُلَانٌ جَنْبَةً، إِذَا اعْتَزَلَ النَّاسَ. وَفِي الْحَدِيثِ: «عَلَيْكُمْ بِالْجَنْبَةِ فَإِنَّهُ عَفَافٌ» .

وَمِنَ الْبَابِ الْجَنْبُ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ. وَمِنْ هَذَا الْجَنْبُ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ: أَنْ يَجْنُبَ الرَّجُلُ مَعَ فَرَسِهِ عِنْدَ الرِّهَانِ فَرَسًا آخَرَ مَخَافَةَ أَنْ يُسْبَقَ فَيَتَحَوَّلُ عَلَيْهِ. وَالْجَنَبُ: أَنْ يَشْتَدَّ عَطَشُ الْبَعِيرِ حَتَّى تَلْتَصِقَ رِئَتُهُ بِجَنْبِهِ. وَيُقَالُ جَنِبَ يَجْنَبُ. قَالَ:

كَأَنَّهُ مُسْتَبَانُ الشَّكِّ أَوْ جَنِبُ

وَالْمَِجْنَبُ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ، كَأَنَّهُ إِلَى جَنْبِ الْإِنْسَانِ. وَجَنَبْتُ الدَّابَّةَ إِذَا قُدْتَهَا إِلَى جَنْبِكَ. وَكَذَلِكَ جَنَبْتُ الْأَسِيرَ. وَسُمِّيَ التُّرْسُ مِجْنَبًا لِأَنَّهُ إِلَى جَنْبِ الْإِنْسَانِ.

وَأَمَّا الْبُعْدُ فَالْجَنَابَةُ. قَالَ الشَّاعِرُ:

فَلَا تَحْرِمَنِّي نَائِلًا عَنْ جَنَابَةٍ … فَإِنِّي امْرُؤٌ وَسْطَ الْقِبَابِ غَرِيبُ

وَيُقَالُ إِنَّ الْجُنُبَ الَّذِي يُجَامِعُ أَهْلَهُ مُشْتَقٌّ مِنْ هَذَا ; لِأَنَّهُ يَبْعُدُ عَمَّا يَقْرُبُ مِنْهُ غَيْرُهُ، مِنَ الصَّلَاةِ وَالْمَسْجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ رِيحُ الْجَنُوبِ. يُقَالُ جُنِبَ الْقَوْمُ: أَصَابَتْهُمْ رِيحُ الْجَنُوبِ ; وَأَجْنَبُوا، إِذَا دَخَلُوا فِي الْجَنُوبِ. وَقَوْلُهُمْ جَنَّبَ الْقَوْمُ، إِذَا قَلَّتْ أَلْبَانُ إِبِلِهِمْ. وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ مِنَ الْبَابِ. وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ مِنَ الْبُعْدِ، كَأَنَّ أَلْبَانَهَا قَلَّتْ فَذَهَبَتْ، كَانَ مَذْهَبًا، وَجَنْبٌ قَبِيلَةٌ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا جَنْبِيٌّ. وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ بَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ

وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّـهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ (((وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)))) ﴿الأنعام: ١٢١﴾

About Adill Hissan

Public speaker, business man, writer. Studied Physics, engineering, philosophy, religions.
This entry was posted in Alcohol prohibition, Boston Marathon terrorist attack, Islam, Muslim History, Muslim philosophy, Muslim Worlds, Quran scincees, Quran Tafsir, Quranic science, Quranic sciences, Uncategorized. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *